كلام فارغ , مرحبا بكم

كلام فارغ , مرحبا بكم

السبت، 21 أغسطس 2010

مراهقة


كان إسمها مثل وصفها , جميلة الملامح والروح , كالمهرة التي خرجت لتوها من سجنها الي حياة شاسعة لم تكن تبحث فيها الا عن من يعوضها فقدانها اشيائها الضائعة ومشاعرها المراهقة التي لا تزال تنبت في ارض خصبة ,
جميلة , زميلتي في المدرسة كانت وستظل في ذاكرتي رغم اننا تباعدنا بفعل نزوات الزمن الذي مهما حاولنا أن نفهمه أو أن نفك شفراته العجيبة , سنبقي أمامه نحن الخاسرين وهو الأقوي دائما في مبادلتنا أحلامنا بما يفرضة هو علينا , شئنا أم أبينا.
صاحبت هذه الجميلة الطفولية في رحلتها المراهقة طوال عام كامل دائماً يسموه عمر المراهقة , رغم انني دائما كنت أعيش مراهقة مختلفة عن جميع صديقاتي , وأراقب افعالهن العاطفية وحكاياتهن التي دائماً تنتهي بالدموع , ومازلت اتذكر دموع الكثيرات منهن لحظة إختلال علاقتهن مع هذا أو ذاك , رغم صغر أعمارنا لكني كنت أشعر بطبيعتي المختلفة عنهن , ولا أدعي التعقل ولا الوعي أكثر منهن
لكن لم تكن مشاعري تحتمل عواقب الخوض في مثل هذه الرحلات العاطفية التي تستنزف تدريجياُ مشاعر الأنثي بعد الفشل المؤكد لنهاية كل مغامرة , كنت استمتع بمراقبة صديقاتي والاستماع بإنصات الي حكاياتهن المختلفة , ومازلت اتذكر الي الان اسماء عشاقهم المتجولين دائماً حول أسوار المدرسة , ولكن جميلة كانت مختلفة , فهي رغم شرودها العاطفي والذي أجده طبيعياُ ومبرراُ لما كان يحيطها من ظروف اجتماعية قاسية , الا أنها كانت مثالاُ للبراءة والطفولة والنقاء
إجتذبتها شخصية مدرس اللغة العربية الذي يكبرها ويكبرنا جميعا  نحن طلابه في الصف , بعشرات السنين , كانت ترسم صورة لوالدها التي حرمت منه علي وجه هذا الأستاذ , كانت دائمة السكوت في حضرته , دائمة الحركة عندما يغيب أو يتأخر  تبحث عنه , كانت تتزين أكثر وأكثر رغم جمالها الطاغي علي جميع الحضور , أذكر يوماً وقفت تروي لي مشاعرها تجاه هذا الاستاذ , لم أكن أستمع إليها بقدر ما صدمني الحنين الذي كان يطل من عينيها , ولكن الحنين الي ماذا , هل هو الي الحب او الي الإهتمام او التخلص من الوحدة ,
عينيها الباسمة الجامحة لمعايشة الحب بمثل هذا النقاء والصدق , أشهد اني لم ولن أراها ثانية في عيني أي إمراه حتي ولو كانت مشاعرها لم تلوث بعد ,
بعد هذا الفيض من المشاعر الذي واجهتني به جميلة وهي ما تزال في مرحلة التكوين , جعلني اسأل نفسي أكثر من سؤال , هل أبالغ في توصيف مشاعر جميلة , وهل لو رأيتها ثانية بعد مرور كل هذه السنوات , هل سأري كل هذا الحب الصافي مره اخري في عينيها , أم أنه ذهب مع العمر الذي ذهب هو الأخر دون عودة
حين رجعت بالذاكرة لأفكر بالطرف الأخر , هل كان حقاُ يشعر بمشاعر جميلة , أم أنها كانت مثل كثيرات يتهافتن علي هذا الأستاذ , كعادة المراهقات في مثل هذا العمر , مرت علينا طوال هذا العام مواقف عديدة لم أكن أضعها في بالي أو أنتبه اليها , لم تكن تشغلني ولم أكترث لتحليلها , لم أكن انشغل مثلهن للأسف بوسامة هذا الاستاذ وخفه ظل تلك الاستاذ ولا بعبق هذا الاستاذ ,
شاغلي كان أكبر من كل تلك المغامرات الفاشلة علي الدوام , أو ربما كنت اريد أن ادخلها من باب أخر , باب لا أكن أنا فيه الطالبة وهم فيه الأستاذ , أما جميلة فستظل في ذاكرتي هي رمز لعمر المراهقة الطفولية , والتي بدأ نقائها يتلوث مع الوقت , فالاطفال لم يصبحوا في عصرنا أطفال وعمر المراهقة بدأت مفرداته تتغير ,والصورة بكاملها تكسرت ولم يبقي منها سوي رماد

ليست هناك تعليقات: