كلام فارغ , مرحبا بكم

كلام فارغ , مرحبا بكم

الخميس، 2 سبتمبر 2010

إصمتي




دائماَ أميل الي مصادقة الصغار أكثر من مصادقة الكبار , سألتني صديقتي الصغيرة ذات مرة وهي الأقرب لي بين أطفال العائلة , سألتني في جلسة ودية تعودنا ان نجتمع فيها كلما زرت بيتهم ,سؤال مباشر وصريح
كيف استطيع أن الفت نظر زميل لي في المدرسة ؟ طبعا سالتني هذا السؤال ببراءة الطفولة التي بدأت تتلاشي ويحل محلها مرحلة مبكرة من المراهقة الصغيرة , لا أدري إن كان عمر المراهقة قد دق بابه مبكراً علي صديقتي الصغيرة أم اننا كنا في مثل أعمارها نشعر بنفس الرغبة الملحة بإكتشاف نفسية الأخر التي تجعلنا ندرك بعدها كيفية التقرب منه أو إختراقة
الصغيرة لا يتجاوز عمرها العشر سنوات وسريعا ايقنت ان السبب في هذا التبكير في اصابتها باحساس المراهقة ربما يعود لإختلاف الاجيال بيننا , واختلافات اخري عديدة لم تكن منتشرة في عهدنا الطفولي , وبالطبع لم تقبل الصغيرة مني مراوغة الاجابة علي السؤال وانا لم اعودها ايضا الا علي التفكير بمنطقية وعدم الاستهانة بعقلها والان أصبحت لا استهين ايضا بمشاعرها الصغيرة
قلت لها بعدما حاولت ان اتفادي المفاجأة التي أصابتني من سؤالها , كوني جميلة وأصمتي , بالطبع لم تقبل هذه الجملة دون تفسير او شرح ولم احاول مراعاة فرق التفكير بيني وبينها , ولكن قدمت لها الاسباب والاقتراحات وتركتها تفكر هي بالنتائج وبالمعني التي تخبئه هذه الجملة ,
كوني جميلة وأصمتي , فالصمت في حرم الجمال جمال , كلماتنا في الحب تقتل حبنا , ان الحروف تموت حين تقال , هكذا قال من سبقونا الي العشق , وقد تكون هذه احدي طرق العشق التي لا ترضي الكثيرين والواضح انها ايضا لا ترضي الصغار ,
بعدما انهار عامل المفاجأة عني وبدات أستعيد كلماتها ابتسمت دون وعي وبدات أعبث بين انقاض ذاكرة طفولتي , فلم يسعني سوي الاغراق في الضحك علي الصورة التي استحضرتها من الماضي
تذكرت عندما كنت في مثل عمرها او ربما اقل بضع سنوات انني تعرضت لمثل هذا الموقف مع أحد زملاء الصف , طفل كان ملفت جدا لانتباه الجميع , يتصرف بنبل فارس من الزمن الفائت , تعكس ملامحة شموخ وكبرياء رجل تخطيء الثلاثين رغم انه لا يزال في الثامنة من عمره ,
لا اعرف من اين تلبستني هذه الروح الجريئة التي دفعتني للسير ورائه كل يوم من باب المدرسة وحتي بيته الذي اكتشفت انه يسكن بالقرب من بيتي , ولكن دون ان يشعر بي , اتذكر ايضا انني اجبرت زميلاتي علي السير معي ورائه حتي يبدو الامر طبيعياً اذا التفت ورائه
ثم بدأت أغير خططي في الاسبوع التالي بدأت فعله هجومية غير مبررة كنت اريد فيها ان أكسر هذا الصمت القاتل الذي بدات معه عيوني تتأكل من كثرة تركيز نظري عليه ,
ذهبت اليه لأعرض عليه ان يأكل بعض من طعامي , لكنه اعتذر علي استحياء فلم انتبه اني اتحدث معه وسط الفصل وهو واقف بين زملائه , فلم أجد حيله للخروج من هذا المأزق سوي أن أتحجج أني أحييه لعيد ميلاده
إستغرب قليلا ثم سألني , كيف عرفتي انه يوم ميلادي ,
بكل كبرياء وتلقائيه جاوبته , انت من اخبر جميع الحضور عندما سألك الاستاذ لماذا تغيبت أمس عن المدرسة , فقلت له كان يوم ميلادي
عندما حادثته عن قرب لم اجد هذه الجاذبية والذكاء الذي كنت ارسمها علي ملامح وجهه حين كنت انظر اليه , ذاب فوراً مثل الثلج في حرقة الشمس وانكسرت بداخلي تلك الرغبة في مواصلة اكتشافه عن قرب
ادركت وقتها وتأكد حدسي عندما تخطيت مرحلة الطفولة وأنضجتني تجارب الحياة ان الصورة لا تعكس دائما كل ما بداخل الانسان ولا يكفي ان يتظاهر الرجل بمظهر الفرسان , ولكن الاجدر بنا أن نفتش بداخلهم عن أخلاق الفرسان الذي ندر وجودهم بيننا الأن ,
ابتسمت وعدت سريعاً بنظري الي صديقتي التي تشبهني كثيراً في كل شيء كما تنعتها أمها دائما " انتي الصورة الاخري لها " , بل اتمني ان تكون افضل مني عندما تكبر ونكبر معاً