كلام فارغ , مرحبا بكم

كلام فارغ , مرحبا بكم

الخميس، 29 مارس 2012

الرسالة الثانية ،،



للرسائل سحر خاص ،، تلك الرسالة الثانية ،،

في عصر ذاك اليوم اشتد بي اليأس أكثر من أي يوم مضي،انتعلت شيء مصطنع من الصلابة وأفرغت غضبي علي أرصفة الشوارع المزدحمة ،عدت كما السابق اتخذ من الطرقات ملاذ للهرب تجرفني رغبة عارمة للاعتصار والذوبان وسط بشر لا نعرف بعضنا،اتخبط بهم في ضجر، وجوه كثيرة لا اعرفها تبتسم لي وأخري تكشر عن غضبها، وأيادي تتشابك في هدوء،اطفال يبكون ونساء يثرثرون ونظرات رجال تلاحق اطراف حديثهم.

لم أسمع من همس حديثهم سوي خطواتي المبعثرة وهي تنتقل من رصيف الي اخر تبحث عن شيء لا تعرفه، لكنها علي يقين أنها ستجد حتماً مخرج من زحام تلك الأسئلة التي ترفض وضع علامات الاستفهام لكنها تكتفي بعصا التعجب المائلة، ونقاط القطع الفاصلة.

دخلت الي احدي المتاجر ابحث بملل عن شيء لا اعرفه، ثياب لا ارغب بها، عطور لا اشتهيها، هدايا لا اهديها لأحد، حتي استوقفني غلاف ابيض لرسالة لم أكتبها بعد،لم تكن المرة الأولي التي أري فيها غلاف من هذا النوع،لكنها المرة الأولي التي أفكر فيها بجدية في اقتنائه،رغم اني لا اعرف ماذا سأكتب له خارج المناسبة ،، لم أحضر كلمات تليق بنقائه،لكن قررت ان اخطفه من وسط ضجر الرفوف الكئيبه.

عدت الي البيت سعيدة وكأني أقتنيت عمراَ جديداَ يغريني للكتابة اليك ، تأملت اغلفة الخطابات الفارغة وقررت ان اكتب اليك في كل يوم رسالة ، فقط لأستعمل تلك الاظرف لأول مرة.

مرت الليلة الاولي دون ان اكتب شيء، كأن الأفكار عصت ان تهديني شيطانها، تلك هي ليلتي الأولي مع الأظرف الفارغة،صفعني فراغ الروح حتي أدرت وجهي الي الحائط ، خذلتني الأفكار،، حال الصمت بيننا ..

يوم تقابلنا للمرة الأولي ،، حقاً كان هذا لقائنا الأول ،، ... كان الأول في كل شيء .. دمعت عيناي امامك .. أطبق الصمت علي شفاهنا .. انكسر الألم داخلي في نظرة من عينيك ،،

رسالتي اليك بلا عنوان ،، ضع ما شئت فأنت قاريء بارع ،،

صدقاً أحتفظ لك برسالتي الأولي في هذا الظرف الأبيض فلا تنعتني " تقليدية "، لسنا في زمن صناديق الرسائل الملونة، هذا زمني سيدي ، وهذه مفرداتي في الحب ،،

وسأهديها اليك ربما هي وما سأكتبه فيما بعد،، يوم نلتقي كـ حبيبين ،،

هي في غفوة بين أوراق مكتبي مشروطة بعنوانها ،،

 "رسالة لن تفتحها سوي يديك،، أو سأمزقها ذات يوم قبل أن تقرأها عينيك"

رسالتي الأولي اليك .. كتبتها بعد لقائنا الأول بيوم .. دونت فيها بخط متعثر كل شيء، ما حدث بيننا، ما لم يحدث ، ما لن يحدث..




ليته يعقل ،،




إن قلب المرأة لا يتغير مع الزمن ولا يتحول مع الفصول..

قلب المرأة ينازع طويلا و لكنه لا يموت..

قلب المرأة يشابه البرية التي يتخذها الإنسان ساحة لحروبه ومذابحه..

فهو يقتلع أشجارها و يحرق أعشابها و يلطخ صخورها بالدماء و يغرس تربتها بالعظام و الجماجم..

و لكنها تبقى هادئة ساكنة مطمئنة..

و يظل فيها الربيع ربيعا و الخريف خريفا إلى نهاية الدهور ..


الأربعاء، 28 مارس 2012

وعدتك ،،

نزار قباني



وعدتُكِ أن لا أُحِبَّكِ..

ثُمَّ أمامَ القرار الكبيرِ، جَبُنْتْ

وعدتُكِ أن لا أعودَ...

وعُدْتْ...

وأن لا أموتَ اشتياقاً

ومُتّْ

وعدتُ مراراً

وقررتُ أن أستقيلَ مراراً

ولا أتذكَّرُ أني اسْتَقَلتْ...

2

وعدتُ بأشياء أكبرَ منّي..

فماذا غداً ستقولُ الجرائدُ عنّي؟

أكيدٌ.. ستكتُبُ أنّي جُنِنْتْ..

أكيدٌ.. ستكتُبُ أنّي انتحرتْ

وعدتُكِ..

أن لا أكونَ ضعيفاً... وكُنتْ..

وأن لا أقولَ بعينيكِ شعراً..

وقُلتْ...

وعدتُ بأَنْ لا ...

وأَنْ لا..

وأَنْ لا ...

وحين اكتشفتُ غبائي.. ضَحِكْتْ...

3

وَعَدْتُكِ..

أن لا أُبالي بشَعْرِكِ حين يمرُّ أمامي

وحين تدفَّقَ كالليل فوق الرصيفِ..

صَرَخْتْ..

وعدتُكِ..

أن أتجاهَلَ عَيْنَيكِ ، مهما دعاني الحنينْ

وحينَ رأيتُهُما تُمطرانِ نجوماً...

شَهَقْتْ...

وعدتُكِ..

أنْ لا أوجِّهَ أيَّ رسالة حبٍ إليكِ..

ولكنني – رغم أنفي – كتبتْ

وعَدْتُكِ..

أن لا أكونَ بأيِ مكانٍ تكونينَ فيهِ..

وحين عرفتُ بأنكِ مدعوةٌ للعشاءِ..

ذهبتْ..

وعدتُكِ أن لا أُحِبَّكِ..

كيفَ؟

وأينَ؟

وفي أيِّ يومٍ تُراني وَعَدْتْ؟

لقد كنتُ أكْذِبُ من شِدَّة الصِدْقِ،

والحمدُ لله أني كَذَبْتْ....

4

وَعَدْتُ..

بكل بُرُودٍ.. وكُلِّ غَبَاءِ

بإحراق كُلّ الجسور ورائي

وقرّرتُ بالسِّرِ، قَتْلَ جميع النساءِ

وأعلنتُ حربي عليكِ.

وحينَ رفعتُ السلاحَ على ناهديْكِ

انْهَزَمتْ..

وحين رأيتُ يَدَيْكِ المُسالمْتينِ..

اختلجتْ..

وَعَدْتُ بأنْ لا .. وأنْ لا .. وأنْ لا ..

وكانت جميعُ وعودي

دُخَاناً ، وبعثرتُهُ في الهواءِ.

5

وَغَدْتُكِ..

أن لا أُتَلْفِنَ ليلاً إليكِ

وأنْ لا أفكّرَ فيكِ، إذا تمرضينْ

وأنْ لا أخافَ عليكْ

وأن لا أقدَّمَ ورداً...

وأن لا أبُوسَ يَدَيْكْ..

وَتَلْفَنْتُ ليلاً.. على الرغم منّي..

وأرسلتُ ورداً.. على الرغم منّي..

وبِسْتُكِ من بين عينيْكِ، حتى شبِعتْ

وعدتُ بأنْ لا.. وأنْ لا .. وأنْ لا..

وحين اكتشفتُ غبائي ضحكتْ...

6

وَعَدْتُ...

بذبحِكِ خمسينَ مَرَّهْ..

وحين رأيتُ الدماءَ تُغطّي ثيابي

تأكَّدتُ أنّي الذي قد ذُبِحْتْ..

فلا تأخذيني على مَحْمَلِ الجَدِّ..

مهما غضبتُ.. ومهما انْفَعَلْتْ..

ومهما اشْتَعَلتُ.. ومهما انْطَفَأْتْ..

لقد كنتُ أكذبُ من شدّة الصِدْقِ

والحمدُ لله أنّي كَذَبتْ...

7

وعدتُكِ.. أن أحسِمَ الأمرَ فوْراً..

وحين رأيتُ الدموعَ تُهَرْهِرُ من مقلتيكِ..

ارتبكْتْ..

وحين رأيتُ الحقائبَ في الأرضِ،

أدركتُ أنَّكِ لا تُقْتَلينَ بهذي السُهُولَهْ

فأنتِ البلادُ .. وأنتِ القبيلَهْ..

وأنتِ القصيدةُ قبلَ التكوُّنِ،

أنتِ الدفاترُ.. أنتِ المشاويرُ.. أنت الطفولَهْ..

وأنتِ نشيدُ الأناشيدِ..

أنتِ المزاميرُ..

أنتِ المُضِيئةُ..

أنتِ الرَسُولَهْ...

8

وَعَدْتُ..

بإلغاء عينيْكِ من دفتر الذكرياتِ

ولم أكُ أعلمُ أنّي سأُلغي حياتي

ولم أكُ أعلمُ أنِك..

- رغمَ الخلافِ الصغيرِ – أنا..

وأنّي أنتْ..

وَعَدْتُكِ أن لا أُحبّكِ...

- يا للحماقةِ -

ماذا بنفسي فعلتْ؟

لقد كنتُ أكذبُ من شدّة الصدقِ،

والحمدُ لله أنّي كَذَبتْ...

9

وَعَدْتُكِ..

أنْ لا أكونَ هنا بعد خمس دقائقْ..

ولكنْ.. إلى أين أذهبُ؟

إنَّ الشوارعَ مغسولةٌ بالمَطَرْ..

إلى أينَ أدخُلُ؟

إن مقاهي المدينة مسكونةٌ بالضَجَرْ..

إلى أينَ أُبْحِرُ وحدي؟

وأنتِ البحارُ..

وأنتِ القلوعُ..

وأنتِ السَفَرْ..

فهل ممكنٌ..

أن أظلَّ لعشر دقائقَ أخرى

لحين انقطاع المَطَرْ؟

أكيدٌ بأنّي سأرحلُ بعد رحيل الغُيُومِ

وبعد هدوء الرياحْ..

وإلا..

سأنزلُ ضيفاً عليكِ

إلى أن يجيءَ الصباحْ....

*

10

وعدتُكِ..

أن لا أحبَّكِ، مثلَ المجانين، في المرَّة الثانيَهْ

وأن لا أُهاجمَ مثلَ العصافيرِ..

أشجارَ تُفّاحكِ العاليَهْ..

وأن لا أُمَشّطَ شَعْرَكِ – حين تنامينَ

يا قطّتي الغاليَهْ..

وعدتُكِ، أن لا أُضيعَ بقيّة عقلي

إذا ما سقطتِ على جسدي نَجْمةً حافيَهْ

وعدتُ بكبْح جماح جُنوني

ويُسْعدني أنني لا أزالُ

شديدَ التطرُّفِ حين أُحِبُّ...

تماماً، كما كنتُ في المرّة الماضيَهْ..

11

وَعَدْتُكِ..

أن لا أُطَارحَكِ الحبَّ، طيلةَ عامْ

وأنْ لا أخبئَ وجهي..

بغابات شَعْرِكِ طيلةَ عامْ..

وأن لا أصيد المحارَ بشُطآن عينيكِ طيلةَ عامْ..

فكيف أقولُ كلاماً سخيفاً كهذا الكلامْ؟

وعيناكِ داري.. ودارُ السَلامْ.

وكيف سمحتُ لنفسي بجرح شعور الرخامْ؟

وبيني وبينكِ..

خبزٌ.. وملحٌ..

وسَكْبُ نبيذٍ.. وشَدْوُ حَمَامْ..

وأنتِ البدايةُ في كلّ شيءٍ..

ومِسْكُ الختامْ..

12

وعدتُكِ..

أنْ لا أعودَ .. وعُدْتْ..

وأنْ لا أموتَ اشتياقاً..

ومُتّ..

وعدتُ بأشياءَ أكبرَ منّي

فماذا بنفسي فعلتْ؟

لقد كنتُ أكذبُ من شدّة الصدقِ،

والحمدُ للهِ أنّي كذبتْ....